هل يجوز اخراج زكاة الفطر في غير بلد الاقامة

هل يجوز اخراج زكاة الفطر في غير بلد الاقامة، بمعنى هل يجوز إخراج زكاة الفطر خارج بلد الاقامة، فكثير من المغتربين يرَونَ دَفع زكاة الفطر في غير البلد الذي يسكنون فيه؛ لما يعرفونه من وجود بعض الفقراء في بلدهم هم أحوج للزكاة من الذين في بلدهم، وفي هذا المقال يتوقف موقع مقالاتي لبيان  هل يجوز اخراج زكاة الفطر خارج بلد الاقامة غير البلد الذي يسكنه، إضافة للمرور على بعض المسائل الأخرى المتعلقة بزكاة الفطر.

هل يجوز اخراج زكاة الفطر في غير بلد الاقامة

ذهب عدد من العلماء إلى أنّه يجوز إخراج زكاة الفطر في غير بلد الإقامة في حال دعت الحاجة إلى ذلك أو كان في نقلها مصلحة للمسلمين، وهذا قول الحنفية والمالكية وإحدى الروايات عن الإمام أحمد بن حنبل، وأدلّتهم على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}،[1] فالآية تدل على عموم صرف الزكاة لمستحقيها بصرف النظر عن بلد الإقامة.[2]

وكذلك من أدلتهم حديث قبيصة بن مخارق -رضي الله عنه- فيقول:

“تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فأتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أسْأَلُهُ فيها، فقالَ: أقِمْ حتَّى تَأْتِيَنا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لكَ بها، قالَ: ثُمَّ قالَ: يا قَبِيصَةُ، إنَّ المَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتاحَتْ مالَهُ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ- ورَجُلٌ أصابَتْهُ فاقَةٌ حتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجا مِن قَوْمِهِ: لقَدْ أصابَتْ فُلانًا فاقَةٌ، فَحَلَّتْ له المَسْأَلَةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أوْ قالَ: سِدادًا مِن عَيْشٍ- فَما سِواهُنَّ مِنَ المَسْأَلَةِ -يا قَبِيصَةُ- سُحْتًا، يَأْكُلُها صاحِبُها سُحْتًا”.[3]

فدليل الحديث أنّ الصدقة كان يؤتى بها إلى المدينة المنورة وكانت تُصرف لفقراء المدينة، والله أعلم.[2]

اقرأ أيضًا: هل يجوز اخراج زكاة الفطر في بلد اخر

هل يجوز إخراج زكاة الفطر عن الغائب

ذهب بعض العلماء إلى أنّ زكاة واجبة على العبد الحاضر والغائب الذي تُعلّم حياته، فإن كان ممن ترك مالًا فإنّ لولي أمره أن يُخرِجَ عنه كما ذهب فقهاء المالكيّة،[4] جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي عليه: “(وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةُ حَرْثٍ) أَيْ حَبٍّ وَثِمَارٍ (وَمَعْدِنٍ وَمَاشِيَةٍ بِدَيْنٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ (أَوْ) بِسَبَبِ (فَقْدٍ أَوْ أَسْرٍ) لِحَمْلِهِ عَلَى الْحَيَاةِ وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بِمَا ذُكِرَ”، وقال الدسوقي معلّقًا: “(قَوْلُهُ لِحَمْلِهِ عَلَى الْحَيَاةِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا فُقِدَ أَوْ أُسِرَ وَأُخْرِجَتْ زَكَاةُ مَاشِيَتِهِ أَوْ حَرْثِهِ وَهُوَ مَأْسُورٌ أَوْ مَفْقُودٌ فَإِنَّهَا تُجْزِي وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ نِيَّتِهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُخْرِجِ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّتِهِ”.[5]

وقال بعض علماء الحنابلة إنّه إن كان الغائب “محمول النفقة” كالصبي الفقير ونحوه فإنّ زكاته واجبة على مَن تلزمه نفقته إن عُلِمَت حياته،[4] وقد ذكر هذا الإمام ابن قدامة في كتابه المغني، يقول:

“وَأَمَّا مَنْ شُكَّ فِي حَيَاتِهِ مِنْهُمْ، وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ، لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ فِي كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، فَلَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ كَالْمَيِّتِ. فَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ، ثُمَّ عَلِمَ حَيَاتَهُ، لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ بَانَ لَهُ وُجُودُ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ لِمَا مَضَى، كَمَا لَوْ سَمِعَ بِهَلَاكِ مَالِهِ الْغَائِبِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ سَالِمًا. وَالْحُكْمُ فِي الْقَرِيبِ الْغَائِبِ، كَالْحُكْمِ فِي الْبَعِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ مَعَ الْحُضُورِ، فَكَذَلِكَ مَعَ الْغَيْبَةِ كَالْعَبِيدِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ فِطْرَتُهُمْ مَعَ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَعْثُ نَفَقَتهمْ إلَيْهِمْ، وَلَا يَرْجِعُونَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ”.[6]

شاهد أيضًا: مقدار الصاع في زكاة الفطر بالكيلو

هل يجوز تكليف شخص بإخراج زكاة الفطر

ذهب العلماء إلى أنّه يمكن للمسلم تكليف شخص آخر بإخراج زكاة الفطر عنه، ولكن اشترطوا بذلك الشخص أن يكون ثقة مأمونًا، ولكن يبقى الأفضل أن يُخرجها الإنسان بنفسه،[7] قال الإمام النووي في كتابه “المجموع” ما نصّه:

“لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي صَرْفِ الزَّكَاةِ الَّتِي لَهُ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ شَاءَ وَكَّلَ فِي الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَإِنْ شَاءَ فِي التَّفْرِقَةِ عَلَى الْأَصْنَافِ وكلاهما جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ قَضَاءَ الديون ولأنه قد تدعوا الْحَاجَةُ إلَى الْوَكَالَةِ لِغَيْبَةِ الْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ”، ثمّ قال في موضع آخر: “تَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ تَفْرِيقِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ”.[8]

شاهد أيضًا: شروط وجوب زكاة الفطر

قيمة زكاة الفطر

إنّ قيمة زكاة الفطر أو مقدار زكاة الفطر يبلغ صاعًا من غالب قوت البلد،[9] وقدّره بعض العلماء بنحو ثلاثة كيلو غرامات،[10] وذهب بعض العلماء إلى أنّه يجوز إخراج قيمة زكاة الفطر مالًا، وذلك من باب التيسير على المسلمين،[11] وهذا القول منقول عن الإمام أبي حنيفة وسفيان الثوري والإمام البخاري وغيرهم، والله أعلم.[12]

شاهد أيضًا: هل يجوز اخراج زكاة الفطر خارج بلد الاقامة

وقت زكاة الفطر

إنّ وقت زكاة الفطر هو ما بين غروب شمس اليوم الأخير من رمضان وما قبل صلاة العيد، فمن أخرجها في وقتها المحدد كانت زكاة له، ومن أخرجها بعد صلاة العيد احتُسبَت له صدقة من الصدقات،[13] لما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي قال فيه: “فرضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطُعمَةً للمساكينِ من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زكَاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدَقةٌ منَ الصَّدقاتِ”،[14] وفي حديث لابن عمر رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ”.[15]

ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة في قول لأهل العلم، مستدلين بحديث: “وكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بيَومٍ أوْ يَومَيْنِ”،[16] وحديث نافع مولى ابن عمر -رضي الله عنهم- الذي يرويه عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أنَّه كان يبعَثُ بزكاةِ الفطرِ إلى الَّذي تُجمَعُ عنده قبلَ الفِطرِ بيَومينِ أو ثلاثةٍ”،[17] وقال غيرهم يجوز إخراجها منذ دخول شهر رمضان المبارك، والله أعلم.[18]

شاهد أيضًا: الحكمة من مشروعية الزكاة

حكم تأخير زكاة الفطر

ذهب العلماء إلى أنّه لا يجوز التأخير في إخراج زكاة الفطر عن موعدها الذي وضع لها، فمن أخّرها عمدًا فإنّها تُعدّ له صدقة لا زكاة كما ذهب العلماء، واستدلّوا بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه: “فرضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطُعمَةً للمساكينِ من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زكَاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدَقةٌ منَ الصَّدقاتِ”،[14] وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ”.[15][19]

وأمّا من تأخّر في إخراجها ناسيًا فإنّه يُرجى ألّا يكون آثمًا لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}،[20] وعليه أن يخرجها لأنّها تبقى في ذمته ولا تسقط عنه، ويُرجى أن تُقبَلَ منه لأنّ التأخير كان بعذر، والله أعلم.[21]

وإلى هنا يكون قد تم مقال هل يجوز اخراج زكاة الفطر في غير بلد الاقامة، بعد الوقوف على إجابة هذه المسألة من كلام علماء الأمّة الإسلامي’ وبعد المرور على بعض المسائل الأخرى المتعلقة بمسألة زكاة الفطر.