ما حكم إعاذة المستعيذ بالله؟

ما حكم إعاذة المستعيذ بالله؟ فالاستعاذة بالله -تعالى- تكون من باب اللجوء إليه سبحانه وتعالى، فالمسلم لا يلتجئ إلى غير الله -تعالى- في أحواله كافة، وفي هذا المقال يتوقف موقع مقالاتي لتسليط الضوء حول حكم إعاذة من يستعيذ بالله -تعالى- من مكروه أو شر أو إنسان أو أيّ أمر آخر، إضافة للمرور على معنى الاستعاذة وأنواعها والحكمة من ورائها كذلك.

ما حكم إعاذة المستعيذ بالله؟

إنّ إعاذة المستعيذ بالله -تعالى- هي مما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الشريف الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنهما: “منِ استعاذَ باللهِ فأعيذوهُ، ومن سألَ باللهِ فأعطوهُ، ومن دعاكُمْ فأجيبوهُ، ومن صنعَ إليكم معروفًا فكافئوهُ فإن لم تَجِدوا ما تكافئونَهُ فادعوا له حتى ترَوْا أنكم قد كافأتُموهُ”.[1][2]

فالمسلم إمّا أن يستعيذ من أمر ما وإمّا أن يستعيذ من شخص، فإن استعاذ من أمر فعلى المسلم إعانته عليه، وإن استعاذ من شخص فينبغي لذلك الشخص أن يدعه وشأنه، كما حدث مع المرأة الجونية حين استعاذت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- جهلًا منها، ففي الحديث: “فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: هَبِي نَفْسَكِ لي، قَالَتْ: وهلْ تَهَبُ المَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟! قَالَ: فأهْوَى بيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قدْ عُذْتِ بمَعاذٍ. ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: يا أبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ، وأَلْحِقْهَا بأَهْلِهَا”،[3] ومن هنا قرّر العلماء أنّ من يستعِذ بالله -تعالى- من إنسان ما فعليه إعاذته وتركه وشأنه، والله أعلم.[2]

شاهد أيضًا: ما حكم قراءة القران للحائض

معنى الاستعاذة بالله

الاستعاذة بالله هي الالتجاء إليه والاعتصام به والالتصاق بجنابه من كل شر كما يقول ابن كثير الدمشقي في تفسيره، وهي من الأمور التي ندب الله -سبحانه وتعالى- المسلمين إلى فعلها ولكن لم يوجب عليهم ذلك كما قال الإمام ابن جرير الطبري، وقد ورد طلب الاستعاذة بالله -تعالى- في كثير من آيات القرآن الكريم، ومنها:[4]

• قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.[5]
• قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}.[6]
• قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.[7]
• قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.[8]
• قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.[9]

شاهد أيضًا: هل يجوز قراءة القرآن مستلقيا

أنواع الاستعاذة

للاستعاذة نوعان رئيسان، ونوع منهما تتفرّع عنه عدة أنواع، وتفصيلها كما يأتي:

الاستعاذة بالله

وهذا النوع هو النوع المطلوب من المسلم، وقد مرّ عليه أمثلة كثيرة من القرآن الكريم لآيات قرآنية يطلب فيها الله -تعالى- الاستعاذة به وحده سبحانه وتعالى.

الاستعاذة بغير الله

تُقسم الاستعاذة بغير الله -سبحانه وتعالى- إلى ثلاثة أقسام، قسم منها جائز واثنان لا يجوز أيّ منهما شرعًا، وسنبين فيما يلي هذه الأقسام والأحكام الخاصة بها.[10]

الاستعاذة بالمخلوق الحي في أمر يقدر عليه

كطلب الحماية من إنسان ما، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: “سَتَكُونُ فِتَنٌ، القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ، فمَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا، فَلْيَعُذْ بهِ”،[11] فذكر الاستعاذة هنا.

وكذلك في الحديث آنف الذكر: “منِ استعاذَ باللهِ فأعيذوهُ، ومن سألَ باللهِ فأعطوهُ، ومن دعاكُمْ فأجيبوهُ، ومن صنعَ إليكم معروفًا فكافئوهُ فإن لم تَجِدوا ما تكافئونَهُ فادعوا له حتى ترَوْا أنكم قد كافأتُموهُ”،[1] وكذلك في حديث أبي مسعود البدري “أنَّهُ كانَ يَضْرِبُ غُلَامَهُ، فَجَعَلَ يقولُ: أَعُوذُ باللهِ، قالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ، فَقالَ: أَعُوذُ برَسولِ اللهِ، فَتَرَكَهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: وَاللهِ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، قالَ: فأعْتَقَهُ”،[12] وهذه الاستعاذة جائزة، الله أعلم.

شاهد أيضًا: هل يجوز الاغتسال من الجنابة بعد اذان الفجر في رمضان

الاستعاذة بالمخلوق الحي بأمر لا يقدر عليه إلا الله

وهذا النوع هو من الشرك الأكبر، وفيه طلب المعونة والالتجاء من غير الله -تعالى- في أمر لا يستطيعه إلا الله تعالى، ومنه ما كان يفعله أهل الجاهلية حين يمرون بوادٍ فيستعيذون بالجن ليحموهم، يقول تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}،[13] ومنها قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.[14]

الاستعاذة بغائب أو ميت بأمر يقدر عليه الأحياء أو لا يقدر عليه إلا الله

فالإنسان إذا التجأ لميت يدعوه ويستعيذ به فهو يدخل في باب الشرك الأكبر كما يرى بعض العلماء، فدعاء الميت يكون بمثابة إقرار من الداعي بأنّه حي لا يموت، وهذه صفة لا تليق إلا بالله -تعالى- وحده، وأمّا الاستعاذة بالغائب فهي كذلك ربما توحي بأنّ ذلك الغائب يعلم الغيب والشهادة، وهذه صفة لا تنبغي إلا لله -تعالى- أيضًا، والله أعلم.

ما الحكمة من الاستعاذة بالله؟

إنّ الحكمة من الاستعاذة بالله -تعالى- لا يمكن معرفتها على وجه الدقّة؛ فالحكمة لا يعلمها إلا الله -تعالى- وحده، ولكن يمكن القول إنّ الحكمة من الاستعاذة هي إظهار الانقياد والاستسلام لله تعالى، والخروج من حول الإنسان وقوته إلى حول الله -تعالى- وقوته، وهو ذو القوة المتين، فبذلك يحقق الإنسان جانبًا من العبودية لله تعالى، وهو إظهار الضعف والالتجاء والاعتصام بجنابه سبحانه وتعالى، والله أعلم.

وإلى هنا ينتهي مقال ما حكم إعاذة المستعيذ بالله؟ بعد الوقوف على حكم الاستعاذة من مصادر الشريعة الإسلامية النقية، والوقوف على بعض الجوانب الأخرى المتعلقة بمسألة الاستعاذة.