حكم المبيت بمنى ايام التشريق

ما هو حكم المبيت بمنى ايام التشريق، فمعروف عن الحجيج أنّهم يبيتون ليالي أيام التشريق في وادي مِنى، وهو وادٍ يقع بين مكة وجبل عرفة، ويبعد عن المسجد الحرام نحوًا من 6 كيلو متر، فما حكم المبيت في ذلك الوادي في أيام التشريق، في هذا المقال يتوقف موقع مقالاتي مع بيان حكم المبيت في ذلك الوادي للحاج في أيام التشريق، إضافة للوقوف على بعض الأحكام الأخرى المتعلقة بالمبيت في منى والخروج منها ونحو ذلك.

حكم المبيت بمنى ايام التشريق

إنّ حكم المبيت في وادي منى أيام التشريق؛ مما اختلف فيه الفقهاء، ويحتاج بيانه إلى بعض التفصيل، فقد اتفق الفقهاء على المبيت في منى أيام التشريق، ولكنهم اختلفوا في حكم هذا المبيت، وهم في ذلك على قولين هما:[1]

قول الجمهور

قال الجمهور إنّ حكم المبيت في منى أيام التشريق واجب، وعند الشافعية والمالكية -ورواية عن الإمام أحمد- أنّه يقتضي الدم إن تركه، وعند المالكية رخّصوا لراعي الإبل بعد رمي العقبة يوم النحر أن ينصرف إلى رعيه، وكذا رخّصوا لصاحب السقاية في ترك المبيت خاصة، فلا بد من أن يأتي نهارًا للرمي ثم ينصرف؛ لأنّه يملأ الماء من زمزم ليلًا، وكذا أجاز الشافعية لهذين الصنفين، وأجازوا لبعض الحالات الأخرى ممن لا يتسع المقام لذكرهم.[1]

وأدلة الجمهور على ذلك ما جاء في الحديث الشريف الذي يرويه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فيقول فيه: “رَأَيْتُ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يَرْمِي علَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه”،[2] وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- “لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ “دليل على الوجوب، وكذلك استدل الجمهور على وجوب المبيت في منى أيام التشريق بما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقالت: “أفاضَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- من آخرِ يومِهِ حينَ صلَّى الظُّهرَ ثمَّ رجعَ إلى منًى فمَكثَ بِها لياليَ أيَّامِ التَّشريقِ يرمي الجمرةَ إذا زالتِ الشَّمسُ كلُّ جمرةٍ بسبعِ حصياتٍ يُكبِّرُ معَ كلِّ حصاةٍ ويقفُ عندَ الأولى والثَّانيةِ فيطيلُ القيامَ ويتضرَّعُ ويرمي الثَّالثةَ فلا يقفُ عندَها”،[3] والله أعلم.[1]

شاهد أيضًا: حكم المبيت بمنى ايام التشريق وهل هو ركن من أركان الحج؟

قول الحنفية

قال الحنفية إنّ المبيت في منى أيام التشريق هو سنة وليس بواجب، فإن بات الحاج في منى أيام التشريق، فهو يكون قد فعل الأفضل، ولكن لو ترك المبيت فلا شيء عليه، غير أنّه يكون مسيئًا؛ ودليلهم أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن للعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- أن يبيت في مكة من أجل السقاية، ولو كان واجبًا لما أذن له، ففي الحديث يروي ابن عمر -رضي الله عنهما- “أنَّ العَبَّاسَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، اسْتَأْذَنَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ يَبِيتَ بمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى، مِن أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فأذِنَ له”،[4] والله أعلم.[1]

شاهد أيضًا: اعمال الحج في أيام التشريق تكون

حكم المبيت خارج منى

لقد اختلف فقهاء مذاهب الإسلام الأربعة في حكم المبيت خارج منى لمن ليس له عذر، فمع أنّهم اتفقوا على المبيت في منى، إلّا أنّ حكمهم في ذلك المبيت لم يكن واحدًا، وكذلك ترك المبيت في منى لم يكن واحدًا، وتفصيله كما يأتي:[5]

• قول الحنفية: قال الحنفية إنّ المبيت في منى سنة، وروي ذلك عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وعن الحسن البصري من التابعين، وعليه فالمبيت خارج منى من غير عذر لا شيء عليه،[5] ولكنّه يكون مسيئًا إن ترك المبيت.[1]
• قول المالكية: المبيت في منى عند المالكية هو واجب، ومن ترك المبيت في منى جُلَّ ليلة أو أكثر فعليه دم.
• قول الشافعية والحنابلة: قال الشافعية والحنابلة إنّ المبيت في منى واجب، وهم متفقون في ذلك مع المالكية، غير أنّ الدم لا يجب عندهم إلّا أن ترك الحاج المبيت في منى كاملًا لغير عذر، ولكن من ترك يومًا واحدًا لغير عذر فعليه مُدّ، ومن ترك ليلتين فعليه مُدّان، ومن تركه كاملًا فعليه دم.

شاهد أيضًا: كيفية أداء حج التمتع بالتفصيل وعدد أركانه وواجباته

حكم المبيت بمنى يوم التروية للحاج

اتفق الفقهاء على أنّ حكم المبيت في مِنى يوم التروية ليلة عرفة هو سنة، فاتفقوا أنّه يُسنّ للحاج أن يخرج من مكة إلى منى يوم التروية -وهو اليوم الثامن من ذي الحجة الذي يسبق عرفة- بعد طلوع الشمس، فيصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر عرفة، ثمّ يخرج إلى عرفة بعد طلوع الشمس، وكل ذلك سنة اتفاقًا، والله أعلم.[6]

شاهد أيضًا: حكم حج المرأة بدون محرم في المذاهب الأربعة

أحكام في المبيت في منى

للمبيت في وادي مِنى أيام التشريق كثير من الأحكام أتى قال بها الفقهاء من المذاهب الأربعة والتي تختص بحالات معينة تهم المسلمين الذي يكونون في الحج يؤدون المناسك، فللمبيت في منى كثير من الأحكام، وقد وقف عليها الفقهاء، فأشبعوها بحثًا وإجابة لكي يكون المسلم على دراية بما ينبغي له فعله في ذلك المكان، ومن أبرز الأحكام حول المبيت في منى ما يأتي:

متى يبدأ المبيت بمنى؟

المبيت في مزدلفة يُقصد به البقاء هنالك أكثر الليل ولو لم ينَم، ويبدأ الليل منذ غروب الشمس، فوقت المبيت في منى ليالي أيام التشريق تبدأ من غروب شمس يوم النحر، وللمسلم الخيار في البقاء من أول الليل أو آخره، المهم أن يقضي أكثر الليل في وادي منى، وبذلك يحصل المبيت، والله أعلم.[7]

شاهد أيضًا: هل يجوز للمراة السفر للعمرة والحج بدون محرم

حكم الخروج من منى أيام التشريق

قال بعض العلماء إنّ الخروج من منى في نهار أيام التشريق والعودة إليها ليلًا لا بأس به؛ فالواجب هو المبيت في منى، وذلك يحصل في العودة ليلًا والمبيت فيها، غير أنّ الأكمل أن يبقى الحاج في منى حتى في النهار؛ لأنّ ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والإنسان في الحج عليه أن يبحث عن الكمال، فإنّه قد ترك دياره وأعماله، وسافر ليقضي هذه الفريضة فعليه أن يبتغي الكمال، فربما لا يتسنّى له العودة مرة أخرى لأدائها، والله أعلم.[8]

شاهد أيضًا: ما هي شروط العمرة للرجال والنساء

متى يسقط عن الحاج المبيت بمنى؟

يسقط المبيت في منى للحاج في بعض الحالات التي قرّرها الفقهاء استنادًا إلى الكتاب والسنة، فالمالكيّة أجازوا لراعي الإبل أن ينصرف إلى رعيه بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، فيترك المبيت ليلتين، ويأتي اليوم الثالث من أيام النحر، فيرمي لليومين: اليوم الثاني الذي فاته وهو في رعية، والثالث الذي حضر فيه، ثم إن شاء أقام لرمي اليوم الثالث من أيام الرمي، وأيضًا رخّص الإمام مالك لصاحب السقاية في ترك المبيت، ولكنّه يأتي نهارًا ليرمي ثمّ ينصرف.[1]

وأمّا الشافعية، فقد أجازوا عدم المبيت في منى لرعاة الإبل وأهل السقاية، وأجاز الشافعية كذلك ترك المبيت لحالات أخرى كالحاج الذي له مال يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت، أو أن يكون خائفًا على نفسه، أو على مال معه، أو أن يكون له مريض يحتاج إلى تعهده، أو أن يكون به مرض يشق معه المبيت أو نحو ذلك، وأمّا الحنفية فقالوا لو ترك المبيت فلا شيء عليه، وكذلك الحنابلة في المشهور، وهنالك رواية عن الإمام أحمد أنّ في ترك الليالي الثلاث دم لقول ابن عباس رضي الله عنهما: “مَن نَسِي مِن نُسكِه شَيئًا، أو ترَكَه؛ فلْيُهرِقْ دَمًا”، والله أعلم.[1]

شاهد أيضًا: فضل التكبير في عشر ذي الحجة

ما حكم من ترك المبيت بمنى ليلة واحدة؟

إنّ حكم ترك المبيت للحاج بمنى ليلة واحد فيه خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة، فالحنفية قالوا إنّ من ترك المبيت لا شيء عليه، غير أنّه مسيء؛ لأنّ المبيت سنة، والمالكية يرون أنّ عليه دم والمبيت عندهم واجب، وأمّا الشافعية والحنابلة، فإنّهم قالوا إنّ من ترك ليلة من ليالي المبيت في مِنى، فإنّ عليه مداً، وهم -مثل المالكية- يرَون أنّ المبيت في مِنى واجب، والله أعلم.[5]

شاهد أيضًا: فضل كل يوم من عشر ذي الحجة

الحكمة من المبيت في منى

إنّ الحكمة من المبيت في منى لا يعلمها غير الله -تعالى- وحده، ولم يسبق أن بيّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث من الأحاديث النبوية الصحيحة، ولكن رأى بعض العلماء أنّ الحكمة في ذلك ربما تكون في القرب من موقع رمي الجمرات لتسهيل الرمي؛ “فإذا بات في منى ليشتغل بذكر الله، ويستعد للرمي في وقته لو شاء الذهاب في الوقت المحدد للرمي حسبما يتناسب معه، فلربما تأخر عن الرمي وربما فاته، وربما شغل بشيء لو لم يبِت بمنى”، والله أعلم.[9]

شاهد أيضًا: افضل اعمال يوم عرفة

مدة المبيت في منى

قال العلماء إنّ المبيت في مِنى تكون ليالي أيّام التشريق الثلاثة، وعند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، ومن وافقهم من التابعين مثل عروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح أنّ المبيت في منى واجب من واجبات الحج، وأمّا الحنفية فقالوا بأنّه سنّة، وهذا القول منقول عن ابن عباس -رضي الله عنهما- والحسن البصري وغيرهما، والله أعلم.[10]

شاهد أيضًا: متى يبدأ يوم عرفة ومتى ينتهي

وإلى هنا يكون قد تم مقال حكم المبيت بمنى ايام التشريق بعد الوقوف على تفصيل حكم المبيت في وادي منى ليالي أيام التشريق عند المذاهب الأربعة، إضافة للوقوف مع بعض الأحكام الأخرى المتعلقة بهذا الأمر.