في اي قرن هجري ولد الامام محمد بن جرير الطبري

ولد الامام محمد بن جرير الطبري في القرن الثالث الهجري في عام 224 هجريًا، الموافق القرن التاسع الميلادي في عام 839 ميلاديًا، في منطقة آمل بطبرستان.

حرص هذا العالم الجليل على التنقل من مكان لآخر طوال حياته لتلقي العلم، والعمل على دراسته من أجل إفادة الأمة بعلمه، لذلك قام الامام محمد بن جرير الطبري بدراسة الفقه والتفسير والتاريخ، ثم بدأ في التنقل إلى مراكز العلماء في تلك الفترة ليحصل على ما يقدمونه من علم نافع. [1]

نشأة الامام محمد بن جرير الطبري

ولد الامام محمد بن جرير الطبري في طبرستان، وقد لاحظ والده حبه الشديد للعلم منذ صغره، فقام بتوجيهه إلى أحد الأماكن الخاصة بتحفيظ القرآن الكريم ليُتم حفظ كتاب الله (عز وجل) وهو في السابعة من عمره.

في الحقيقة؛ لقد كان لوالد محمد بن جرير الطبري الفضل فيما وصل اليه هذا العالم الجليل حيث أنه كان دائمًا يحفزه ويسانده ويدعمه على المستوى المادي والمعنوي لكي يتعلم المزيد والمزيد من العلم، خاصة بعد أن رأي الوالد ابنه في حلم أثناء منامه وهو بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث كان معه سلة بها مجموعة من الحجارة يلقيها، فعندما استيقظ من حلمه؛ سأل عن تفسيره والذي كان يعني أن ابنه سيكون امام في الدين في المستقبل.

وقد كان هذا الحلم هو أداة تحفيزية لتشجيع محمد بن جرير الطبري في صغره على تلقي العلم وجمعه، ليصل إلى ما وصل اليه ويصبح واحد من اشهر علماء المسلمين.

حياة الامام محمد بن جرير الطبري

كرس الامام محمد بن جرير الطبري حياته كلها لتلقي العلم حيث كان ينتقل من مكان لآخر لجمعه من كبار العلماء، ثم أخذ يتدرج في مراتب العلم حتى أصبح عالم في التاريخ والتفسير والفقه.

اما عن أخلاقه؛ فقد حرص طوال حياته على معاملة الناس معاملة طيبة، وألا يقوم بإيذاء أي شخص مهما كانت الأسباب، كما تميز بعفته وحفظه للسانه، وطيبة قلبه، وتواضعه الشديد مع الناس.

قدم الطبري الكثير من المؤلفات في مجال التفسير والتاريخ، ومن اشهر مؤلفاته كتاب “تاريخ الطبري” الذي يعتبر واحد من اهم المراجع التي يطلع عليها الباحثون والعلماء الراغبين في معرفة تاريخ الأمم والملوك، فهذا الكتاب يحتوي بداخله على كنز يروي لنا تاريخ الأمم وملوكها حيث تم تأريخ كل شيء عن هذا العالم بداية من قصة سيدنا آدم (عليه السلام) وحتى عام 302 هجريًا.

ومن جانب آخر؛ يعود الفضل إلى الطبري في تنظيم مراحل التفسير من خلال تأليفه لكتاب “تفسير الطبري” الذي قام بتأليفه وكتابته على مدار 40 عام، وقد كان أول من قام بذلك، ثم سار على نهجه جميع العلماء والباحثين الذين جاءوا من بعده.

صفات الامام الطبري

تميز الامام الطبري بالعديد من الصفات الحميدة التي ذكرها جميع من جاء من بعده، والتي كانت واضحة في أسلوب كتاباته ومؤلفاته، ومن اهم تلك الصفات:

كان زاهد في الدنيا بعيدًا كل البعد عن المشبوهات.
تميز بذكائه الشديد، وبقدرته العظيمة على الحفظ حتى انه تمكن من حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في سن السابعة.
كان دائمًا يتسم بالرضا والقناعة، كما أنه كان عزيز النفس لا يقبل الهدايا والعطايا من أحد حتى ولو كانت تلك العطايا من ملوك.
لم يقم بإيذاء أي شخص طوال حياته حيث كان طيب القلب، ويعفو دائمًا عن أي ظلم أو إساءة.
كان دائمًا يقول الحق في وجه الظالم بشجاعة.
تميز بحفظه لسانه، وبعده عن قول الزور.
بالرغم من مكانته الكبيرة؛ الا أنه كان شديد التواضع بين الناس.

اقرأ أيضًا: سيرة ذاتية لجبران خليل جبران

أشهر تلاميذ الامام محمد بن جرير الطبري

لقد جمع الطبري العلم عن كبار الأساتذة طوال فترة حياته التي بلغت ما يقرب من ست وثمانين عام، لذلك حرص الكثير من طلاب العلم على تلقي العلم على يديه لكي يأخذوا عنه ما جمعه عن كبار العلماء، ومن أشهر طلابه:

أبو شعيب عبدالله بن الحسن الحراني

وُلد في عام 205 هجريًا، وتوفي في عام 295 هجريًا، وما زال أثره باقيًا في علم الحديث والتاريخ حيث ترك آثار من الفوائد في الحديث في ثماني ورقات الموجودة الآن بجامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية.

الشيخ القاضي أبو بكر أحمد بن كامل

الشيخ القاضي أبو بكر هو صاحب التصانيف في الفقه مثل جامع الفقه، وكذلك في القراءات والتاريخ وغريب القرآن، إلى جانب تقديمه كتاب في ترجمة الطبري.

أحمد بن موسى بن العباس التميمي

كان أحمد بن موسى من اشهر قراء القرآن الكريم، كما أنه كان أحد رواة الحديث الشريف، وقد كان شيخ القراء وشيخ الصنعة في عصره.

ابن طرار

ابن طرار هو القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني الذي كان من اشهر علماء عصره، وكان من ابرز واشهر تلاميذ الطبري في حفظه لمذهبه، وكتبه، وشرحه المفصل لكتاب الطبري الخفيف في أحكام شرائع الإسلام.

هناك عدد كبير من تلاميذ الطبري الذين تلقوا العلم على يديه ومنهم أحمد بن كامل القاضي، محمد بن عبدالله الشافعي، محمد بن محمد بن فيروز، وغيرهم من التلاميذ الآخرين الذين أصبحوا علماء في الدين من بعده لتنتفع بهم الأمة.

اهم مؤلفات الطبري

لقد كرس محمد بن جرير الطبري حياته لطلب العلم ثم تعليمه لغيره، وقد تمكن طوال فترة حياته من تقديم مجموعة كبيرة من اهم المؤلفات في مجال التاريخ والتفسير، ومن اشهرها:

جامع البيان في تفسير القرآن

يعتبر هذا الكتاب من اكبر تفاسير اهل السنة الموجودة، وقد تم طباعته في ثلاثين جزءًا بمطبعة الأميرية ببولاق، ثم تم طباعة عدة طبعات بعدها.

تاريخ الرسل والملوك

يعتبر هذا الكتاب من اهم الكتب التاريخية حيث يضم تاريخ العالم بداية من عصر سيدنا آدم (عليه السلام) وحتى عصر الطبري، فداخل هذا الكتاب؛ ستجد تاريخ جميع الأمم والملوك والحكام الذين قام الطبري بجمعهم وجمع حياتهم وتأريخها في كتابة وذلك بالاعتماد على المرويات المسندة، وتلطيفها باستخدام التحليلات الذاتية من كلام مؤلف الكتاب.

كتاب اختلاف الفقهاء

يُسمى هذا الكتاب بإسم “اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام”، ويحتوي هذا الكتاب على المسائل الخلافية بين المجتهدين مثل الخلافات بين الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك والحنابلة.

كتاب آداب النفوس الجيدة والأخلاق النفيسة

يُسمى أيضًا هذا الكتاب بإسم “أدب النفس الشريفة والأخلاق الحميدة” حيث يتناول هذا الكتاب في مضمونه جميع الموضوعات المتعلقة بالقلوب من الورع والإخلاص والرياء والخشوع والزهد والصبر والتواضع.

كتاب بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام

تناول هذا الكتاب في مضمونه الأحكام الفقهية التفصيلية حيث قام الطبري بجمع فقه الصحابة في الأمصار: المدينة، الكوفة، البصرة، الشام، مكة، خراسان، ثم التابعين.

هناك الكثير من مؤلفات الطبري التي لا يمكن حصرها ومن اهمها أيضًا كتاب التبصير في معالم الدين، كتاب آداب المناسك، كتب ذيل المذيل، كتاب الرد على ذي الأسفار، كتاب الرمي والنشاب، وغيرها من الكتب والمؤلفات الأخرى التي قدمها على مدار حياته والتي تعتبر من اهم مراجع التفسير والتاريخ حتى وقتنا الحالي. [2]

محنة بن جرير الطبري مع الحنابلة

في عصره؛ كان هناك مشاحنات بين الحنابلة وغيرهم من المذاهب الأخرى حيث كانت يسود تلك الفترة التعصب المذهبي خاصة في العراق؛ ذلك الأمر الذي أدى إلى حدوث مشاحنات بين كل من ابن جرير، وابن داود حيث اتهم الحنابلة الطبري بالتشيع.

فقد كان الطبري يؤمن بالمذهب الشافعي، كما أنه درس الكثير عن المذهب المالكي، لكنه في نهاية الأمر فضل عدم الالتزام بمذهب بعينه بعد أن اتسع علمه واعتمد على اجتهاده في الدين.

كان الحنابلة في تلك الفترة السيطرة الكاملة لذلك قاموا بمنعه من حضور أي اجتماع أو إلقاء خطب، أي انهم قاموا بمحاصرته في منزله حتى وافته المنية.

وفاة الامام محمد بن جرير الطبري

عاش الإمام الطبري راهبًا في محرابه لطلب العلم والعمل على نشره حتى توفاه المولى ( عز وجل) في عام 310 هجريًا الموافق عام 923 ميلاديًا في عصر الخليفة العباسي المقتدر بالله، وتم دفنه في دار الكائنة ببغداد في رحبة يعقوب. [3]

اهمية دراسة السيرة الذاتية للطبري

من خلال دراسة السيرة الذاتية للامام محمد بن جرير الطبري؛ يمكننا أن ندرك الدور الفعال والمؤثر الذي يمكن أن يلعبه الآباء في حياة أبنائهم؛ فقد كان والد الشيخ الطبري هو السند له في مسيرته العلمية، والحافز له لدراسة المزيد والمزيد حيث أنه وفر له التشجيع المادي والمعنوي لمساندته في رحلته للبحث عن العلم والتعلم في كل مكان.

ومن جانب آخر؛ توضح لنا السيرة الذاتية للطبري مدى اهمية العلم، وأن العلم فريضة، ويجب طلب العلم من أي مكان، لأن العلم هو الأداة الرئيسية لبناء الأمة، وتقدمها، ورفعة شأنها بين غيرها من الأمم.

وأخيرًا لا يمكننا أن نغفل عن ما تعلمناه من أخلاقه الحميدة، وصفاته الطيبة التي كان يتعامل بها مع غيره والتي جعلته واحد من اشهر علماء التاريخ والتفسير في عصره وحتى عصرنا الحالي.

وبذلك نكون قد عرضنا لكم في اي قرن هجري ولد الامام محمد بن جرير الطبري، وكذلك سيرته الذاتية بما في ذلك حياته، وصفاته، وتلاميذه، ومؤلفاته، واهم أعماله لنتعلم منه مدى اهمية طلب العلم، ودوره في رفع شأن الفرد والمجتمع، وكذلك رفع شأن الأمة بأكملها، وكذلك لنتعلم قيمة الأخلاق الحميدة التي يجب التحلي بها والتعامل بها مع غيرنا داخل المجتمع.