جدول المحتويات
هل البكاء يعذب الميت ويؤذيه في قبره في الشريعة الإسلامية، حيث إنّ البكاء على الميت يكون وليد الحزن الذي يتعرض له المسلم حين يفقد أحدًا من أحبابه، لذلك فإنّ موقع مقالاتي سيقف مع الحكم الشرعي لبكاء المسلم على مَن مات من أحبابه، وهل ذلك البكاء يؤذي المتوفى في قبره، وهل يتعارض البكاء على الميّت مع الصّبر والرّضى ونحو ذلك من الأمور التي لا يسع المسلم جهلها.
هل البكاء يعذب الميت
إنّ مسألة عذاب الميت ببكاء أهله عليه هي مسألة اختلف فيها العلماء، فذهب بعضهم إلى أنّه إن كان ممن يسنّ النواح والندب في حياته، وبكاه وناح عليه أهله بعد الوفاة، فإنّه يُعذّب بنواحهم عليه، وأمّا البكاء الذي ينزل من رحمة الناس للميت، فهذا لا يُعذَّب به، وقال بعضهم إنّ المقصود بالعذاب هو تأذّي الميت؛ مما يكون من بعده وليس العذاب هنا عقوبة ولكنه ألم، وليس كلّ ألم يصيب الإنسان هو عقوبة، ففي الحديث أنّ السفر قطعة من العذاب وهو مع ذلك ليس عقوبة يُعاقب بها المسلم.[1]
وقد استدلوا على ذلك بما روي عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- أنّه قال: “كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ جَاءَهُ رَسولُ إحْدَى بَنَاتِهِ، يَدْعُوهُ إلى ابْنِهَا في المَوْتِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْجِعْ إلَيْهَا فأخْبِرْهَا أنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ وله ما أعْطَى، وكُلُّ شيءٍ عِنْدَهُ بأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ ولْتَحْتَسِبْ، فأعَادَتِ الرَّسُولَ أنَّهَا قدْ أقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَامَ معهُ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إلَيْهِ ونَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأنَّهَا في شَنٍّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقالَ له سَعْدٌ: يا رَسولَ اللهِ، ما هذا؟ قالَ: هذِه رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وإنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ”.[2]
شاهد أيضًا: هل البكاء يفطر الصائم
هل البكاء يؤذي الميت في القبر
ذكر علماء أهل السنة والجماعة أنّ البكاء يعذب الميت في قبره في حال كانت تلك سنته في الحياة أي إنّه كان ممن ينوح في الحياة الدنيا وقد علم أهل وأبناءه هذه العادة فساروا على سنته، وقد روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: “تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ بمَكَّةَ، قالَ: فَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، قالَ: فَحَضَرَهَا ابنُ عُمَرَ، وَابنُ عَبَّاسٍ، قالَ: وإنِّي لَجَالِسٌ بيْنَهُمَا، قالَ: جَلَسْتُ إلى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إلى جَنْبِي، فَقالَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ: وَهو مُوَاجِهُهُ، أَلَا تَنْهَى عَنِ البُكَاءِ، فإنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عليه”.[3]
وقال العلماء في تأويل الحديث أنّ الميت ليعذب أي يتأذى ويتألم لأنّ أهله يفعلون ما لا يُرضي الله تبارك وتعالى، وقد روي في الأثر عن النعمان بن البشير -رضي الله عنه- أنّه قال: “أغمي على عبد الله بن رواحة إغماءة في موته، فجعلت أخته تبكي تقول: وا جبلاه، وا أخاه، تعدد صفاته، فلما أفاق قال لها: يا أختي! ما قلت شيئاً إلا قيل لي: أأنت كذلك”؟ فكلما قالوا: واجبلاه، قالوا له وهو في الإغماء: أنت كذلك؟ قالوا: فلما مات لم تبكِ عليه أخته، خوفًا من أن يعاقب.[1]
شاهد أيضًا: ما معنى لا يجوز على الميت الا الرحمة
حكم رفع الصوت بالبكاء على الميت
إنّ حكم رفع الصوت بالبكاء على الميت غير جائز في الشريعة الإسلامية وهو منكر يجب التوبة منه في الإسلام، وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه تبرؤ من مجموعة أصناف من النساء من بينهنّ الصالقة وهي المرأة التي ترفع صوتها عند حدوث مصيبة، أمّا مجرد أن يبكي المسلم من دون صوت، وإنّما هو الدمع الذي يجري عند الحدث فهو مما لا بأس به في الشريعة الإسلامية، والله أعلم.[4]
شاهد أيضًا: هل يجوز الترحم على غير المسلم
حكم البكاء على الميت عند القبر
إنّ البكاء على الميت عند القبر من غير صوت ولا نياح هو من الأمور الجائزة في الشريعة الإسلامية، وهذا ما ينبغي أن يكون في ذلك المكان الذي ترق فيه القلوب، وقد ورد في الأثر النبوي أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس على شفير قبر فبكى حتى بلّ التراب، وأشار على أصحابه أن لمثل هذا أعدوا.[5]
شاهد أيضًا: هل يجوز الترحم على الكافر
حكم البكاء على الطفل الميت
إنّ البكاء على الميت، سواء كان طفلاً صغيرًا أو رجلًا أو امرأة كبارًا جائز في حال كان دمعًا وهو من رقة القلب والرحمة التي آتاها الله -تبارك وتعالى- للعبد المسلم، وأمّا النوح أو العويل أو الصوت العالي في البكاء، وما يصاحبه من سخط على قدر الله -تبارك وتعالى- فهو من الأمور التي لا تجوز في الشريعة الإسلامية ويُعاقب فاعلها على ذلك، والله أعلم.[4]
شاهد أيضًا: هل يجوز الترحم على الشيعي بعد وفاته
هل يتعارض البكاء على الميت مع الصبر والرضى
إنّ البكاء على الميت الذي يُصاحبه تسخط على قضاء الله -تبارك وتعالى- هو مما لا يجوز في الشريعة الإسلامية، ويتعارض مع الصبر الذي وصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند المصائب، أمّا الحزن الذي محله القلب والبكاء الذي كون دمعًا فقط لا يُصاحبه نوح ولا تفجع ساخط ولا اعتراض على قضاء الله تبارك وتعالى.[4]
شاهد أيضًا: هل يجوز الترحم على الشيعي
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى آخر مقال هل البكاء يعذب الميت ويؤذيه في قبره وذكرنا رأي علماء أهل السنة والجماعة في المسألة، وأضأنا على الحكم الشرعي الخاص بالنوح على الميت في الإسلام وما هي صفته ونحو ذلك من الأمور.
المراجع
- ^ shamela.ws , من أسباب عذاب القبر , 13/08/2022
- ^ صحيح البخاري , البخاري، أسامة بن زيد، 7377، صحيح
- ^ صحيح مسلم , مسلم، عبد الله بن عمر، 928، صحيح
- ^ binbaz.org.sa , حكم بكاء النساء على الميت بصوت مرتفع , 13/08/2022
- ^ islamweb.net , حكم البكاء عند القبور ومخاطبة من فيها , 13/08/2022