النبي الذي دعا الناس إلى الحج هو الذي دعى إلى التوحيد أيمّا دعوة وخاض في سبيل ذلك الصعاب والمشاق، وقد حقق ما طلبه منه ربه سبحانه وتعالى في جميع المواقف والأحداث حتى أنه قد رأى رؤية بذبح ولده فاستجاب للأمر الرباني استجابةً سريعة حتى فداه ربُه بذبحٍ عظيم، وياله من موقفٍ عظيم.
النبي الذي دعا الناس إلى الحج
يكون النبي الذي دعا الناس إلى الحج هو خليل الله (إبراهيم) عليه السلام، الذي أمره ربُه أن يقوم بدعوة الناس لحج بيت الله الحرام، والذي هو وابنه بَنياه ابتداءً، وفي هذا نُشير لبعض ملامح ذلك المشهد كالتالي:
- بعد أن أنهى نبي الله (إبراهيم) عليه السلام وابنه (إسماعيل) عليه السلام بناء البيت الحرام أمر الله تعالى بالنداء في الناس بالحج في قوله تعالى: « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» (الحج / 27).
- قال (إبراهيم): «يارب كيف أُبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟» قال الله تعالى: «نادِ وعلينا البلاغ».
- قام إبراهيم مناديًا على الناس: «يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتًا فحجوه» فبلغ صوته أرجاء الأرض.
- جاءت هذه الراوية عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم.
أول من حج بيت الله الحرام
هل النبي الذي دعا الناس إلى الحج هو أول من حج البيت؟ هكذا يمضي التساؤل بنا ولعل ما في التالي إجابةً على ذلك:
- روى البيهقي في “شُعب الإيمان” أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: « كان موضع البيت في زمن آدم عليه السلام شبراً أو أكثر علمًا فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم، ثم حج آدم فاستقبلته الملائكة فقالوا: يا آدم من أين جئت؟ قال: حججت البيت، فقالوا: لقد حجته الملائكة من قبلك».
- مكان البيت كان معلومًا لآدم عليه السلام، بل وقيل أنه هو الذي أرسى قواعده.
- جاء في الأثر فيما رواه البيهقي في “السنن” عن عروة بن الزبير أنه قال: «ما من نبي إلا وقد حج البيت، إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح فلما كان من الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء، فبعث الله هودًا عليه السلام فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله لإبراهيم عليه السلام حجه، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه».
مقاصد الحج
الحج شعيرةٌ عظيمة يتجلى فيها الكثير من معاني الرفعة والسمو في العبادة لله رب العالمين فهي انصياعٌ لأمر الله تعالى وتنفيذًا لأحكامه وشرائعه والتي تتضح جليّة في مناسك الحج، فتتعدد وتتنوع وتُوجه المسلم إلى أنواعٍ من المعرفة التي يمارسها حقيقة على أرض الواقع، وذلك كله لتحقيق بعض المقاصد الشرعية، ومنها:
- عبادة الحج عبادة “توقيفية” بمعنى أنها تأتي وفق النصوص الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسُنّة، فلا يمكن الاجتهاد فيها وإنما هي أمورٌ ثابتة، كالطواف سبعة أشواط والسعي كذلك ورمي الجمرات سبعة وفوق كل ذلك الوقوف بعرفة.
- التوسط والسهولة في دين الله تعالى، فهناك من التوازن وتحقيق مصلحة الفرد ما هو واضح وبيّن حيث يقول الله تعالى: « لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ» (الحج / 28) فيمكن للحاج أن يقوم بالتجارة والبيع والشراء أثناء حجه.
- المساواة بين الجميع، فنرى في هذه الشعيرة جميع الحجاج على اختلاف مراكزهم وطبقاتهم وألوانهم يجتمعون في صعيدٍ واحد وعلى قلب رجلٍ واحد ويلبسون ثيابًا موحدة لأداء فريضة الله تعالى التي أمر بها دون تمييز عرقي أو طبقي.
- اعتياد الإنضباط والنظام، وذلك وفق تاريخٍ محدد لكل مَنسك من المناسك وخلال أيام معينة في السنة والقيام بخطواتٍ موحدة في أماكن موحدة وعلى وتيرة واحدة ثابتة ما دامت الدنيا.
من معرفتنا النبي الذي دعا الناس إلى الحج -وهو (إبراهيم) عليه السلام- نرى أن هذه الفريضة إنما فُرضت لكي يستطيع المسلم أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وهو بذلك يتطهر من كل إثمٍ قد عَلِق به مقتديًا في حركاته وأحواله بالنبي –صلى الله عليه وسلم- ونبي الله (إبراهيم) عليه السلام في أخذه بالأسباب.