اداب قراءة القران هي أولّى آداب يمكن أن يتبعها المسلم في تقربه لربه سبحانه وتعالى؛ إذ أن بقراءة القرآن تسمو النفس وتعلو وتنهل من هذا المعين الذي لا ينضب، فيجد الإنسان نفسه في عالمٍ آخر يناجي فيه ربه تعالى، وإن كان كل هذا يحدث بتلاوة القرآن فالواجب أن نتبع آداب قرائته حتى الوصول إلى هذه الأهداف السامية.
اداب قراءة القران
لابد وأن تزكو روح الإنسان وتصفو لتلاوة كلام ربه تعالى، وقد عدّد العلماء العديد من اداب قراءة القران الكريم التي هي بمثابة الـمَدخل المتأدب الذي يسلكه صاحبه لمعرفة بعضًا من كلام الله، ومن ذلك:
- الإخلاص: إن قارئ القرآن يقرأه فقط لوجه الله الكريم وتحصيل الثواب العظيم دون رياء أو سُمعة؛ لذلك وَجَب عليه تحريّ الإخلاص الذي يُثقل العمل أو إن كان غير ذلك فإنه يُحبِطُه عياذًا بالله.
- الطهارة: لا يمكن الشك بأن تلاوة كلام الله تعالى لابد لها من الطهارة، وإن كان هناك أقوال لأهل العلم بأنه يمكن أن يُقرأ القرآن لغير المتوضأ ولكن الطهارة العامة من الحدث الأكبر والأصغر لابد منها.
- التسوك: إن قراءة القرآن من آدابها “التسوك” فالسواك كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم عنه: «السواك مرضاةٌ للرب، مطهرةٌ للفم» النسائي، ابن ماجة، ومعلومٌ أن ديننا دين الطهارة والنظافة.
- الاستعاذة: أن يستعيذ العبد من الشيطان الرجيم؛ لما جاء في قول الله تعالى في سورة النحل « فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ففيه نفعٌ عظيمٌ بِذَهَاب الشيطان وتلذذ العبد لمناجاة ربه عز وجلّ.
- البسملة: وذلك لما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من أنه كان يُعرف نهاية السورة التي يقرأها من السورة التالية بالبسملة.
حديث عن آداب تلاوة القرآن
لقد تعددت اداب قراءة القران ومنها الظاهرة ومنها الباطنة كما اتضح، وإن من أهم الآداب الباطنة “الإخلاص” فالعبد المؤمن الحق إنما يتقرب إلى ربه بتلاوة آياته ولا يريد بذلك مديحًا من أحد ولا ثناءً وإنما يبتغي بذلك رضوان الله تعالى عنه وطمعًا في دخوله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار.
كما وعد هو سبحانه وتعالى؛ ولهذا فقد روى مسلمٌ في صحيحه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في مقطعٍ من حديثه قال: « وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» وهذا بلا شك إنما يحذرنا من خطورة الرياء في هذا الأمر والمتاجرة بالدين.
والحديث له فوائده العظيمة والكبيرة ومنها:
- تجنب الرياء والنفاق واستحضار عظمة الله تعالى وأن الإنسان إنما كرّمه الله ليقرأ كلامه فلا يلتفت لنظر الناس إليه، وإنما بُغيته واحدة وهي مرضاة الله عز وجلّ.
- الحرص على الإخلاص والتدريب عليه واستحضار قول الله تعالى: « وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين» [البينة: 5]
- تصحيح النيّة: لما جاء في قول النبي –صلى الله عليه وسلم- «إنما الأعمال بالنيّات» فالنيّة الحسنة تؤدي بصاحبها إلى حيث تحصيل الحسنات الوفيرة والثواب العظيم.
- استحضار قول الله تعالى: « اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ» [الحديد: 20] ومعرفة أن الحياة الدنيا زائلة ولا يبقى عنده إلا العمل الصالح الذي يلقى به ربه تعالى، وأنه ينبغي عليه التزام هذا الأمر والاستمرار عليه.
آداب قراءة القرآن للنساء
هناك اداب قراءة القران الخاصة بالنساء والتي لها بعض الضوابط والشروط ومنها:
- الحجاب: يجوز للمرأة قراءة القرآن بدون حجاب، فالحجاب تقوم بارتدائه إن خافت أن يراها أحد الأجانب فقط.
- الحائض والنفساء: يجوز لهنّ أن يقرأن القرآن ولكن دون مسّ المصحف؛ لقول الله تعالى « لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» [الواقعة:79] ولذلك قال الله تعالى بعدها: « تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» [الواقعة:80].
- رفع الصوت في وجود أجنبي: ينبغي إغلاق هذا الباب وخفض الصوت إن قامت بالتلاوة في وجود أجنبي، أما عن التعلم فقد قال العلماء أن المرأة تُعلمها مرأة وإن كان لا محالة فلا بأس بتعليم الرجل إياها، مع مراعاة عدم الخضوع في القول؛ لقوله تعالى: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا» [الأحزاب:32]
لعلنا من السطور السابقة قد تأكدنا من أن هناك اداب قراءة القران القلبية والظاهرية، والتي يجب على المسلم الحريص على دينه ألا يُفرط في تأديتها والعمل بها، ففيها المصلحة الدنيوية والأخروية، وفيها ارتقاء النفس وسموها، ومن الواضح أن الأمر عظيم قد يغفل عنه البعض منّا، إلا أننا يجب أن نتعلم ونسعى إلى كل ما يفيدنا في ديننا ودنيانا وألا نتكبر على العلم أو نستحي من طلبه، فكما قالوا لا يطلب العلم: مستحي أو مستكبر.